Leave a comment

حرب العصابات.. بوابة لحل تفاوضي “بعيد” في سوريا

صورة من (أ ف ب) لفتاة سورية تقبل العلم السوري خلال مظاهرة مؤيدة لنظام بشار الأسد في سيدني يوم 5 أغسطس/ آب 2012

تشير كل المعطيات التي تجري على الأرض في سوريا وخاصة تصعيد حرب “العصابات” التي يقودها الجيش السوري الحر في حلب ومحيطها حالياً وكان بدأها في قلب العاصمة دمشق، تزامناً مع تحركات دولية “مكوكية” على الواجهة السياسية إلى أن قطار “الحل السلمي” عبر التفاوض بين الحكم والمعارضة قد انطلق لكنه قد يطول.

وخلافاً لما يعتقده كثيرون بأن الحسم بات وشيكاً وأن نظام بشّار الأسد في ساعاته الأخيرة، فإن تلك المعطيات وما يجري من اتصالات ومفاوضات في هذه العاصمة أو تلك تؤكد أن الملف برمته سيرحّل إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 وما يليه من تنصيب لسيد البيت الأبيض في يناير/ كانون الأول 2013 .

 * استبعاد شبح التدخل العسكري

 ومع إستبعاد شبح التدخل العسكري الخارجي، خاصة وأن الولايات المتحدة المؤهلة لقيادة مثل هذا التدخل غير جاهزة في صيف حملتها الانتخابية الرئاسية وتخشى التورط في مثل هذا التدخل، فإن محللين سياسيين واستراتيجيين يجمعون على أن معركة حلب وما يرافقها من تحقيق وجود على الأرض لمقاتلي الجيس السوري الحر وما يتلو ذلك من تثبيت مواقع له في الشريط الحدودي الشمالي القريب من تركيا سيعطي المعارضة زخماً سياسياً استراتيجياً يؤهلها لتكون معه قوة قادرة على التفاوض إن وحدت فصائلها مع النظام الذي بات هو الآخر يفقد توازنه “العسكري والشعبي” حيث يواجه الجيش قوة لا يستهان لها من خلال عمليات المقاتلين المناهضين “إضرب واهرب” مرفوقة بعناصر غير مسبوقة من المفاجأة التي تؤكد أن هذه العمليات ستؤتي ثمارها على المدى الطويل.

مثل هذا التطور على الأرض ميدانياً يظل يتطلب استمرار الدعم اللوجستي للجيش السوري الحر الذي يتعين عليه أيضاً تأكيد قدرته في السيطرة على جماعات وفصائل أخرى جلّها إسلامية تحاول هي الأخرى النيل من النظام وتحقيق ذاتها على الأرض، لذلك فإنه بات يلاحظ تصاعد الدعوات الخارجية من الدول الداعمة بضرورة توحيد فعاليات المعارضة سياسياً وعسكرياً.

ومع الإشارة إلى أن الكلام عن وجود مسلح كثيف لمقاتلين أجانب وعرب ينتمون إلى تنظيم (القاعدة) وأنصارها بات يقلق المجتمع الدولي الساعي لنصرة الحل السلمي. ويبدو أن الاتصالات جارية في شكل سري مع الدولتين الخليجيتين الداعمتين للثورة لضرورة مصبات دعمها في جهة واحدة هي الجيش السوري الحر ليشكل الغطاء العسكري لأية عمليات مناهضة للنظام بالتنسيق مع المجلس الوطني الذي يشكل المظلة الشرعية في أية مفاوضات مستقبلية مع النظام للوصول إلى حل.

 * وسيط يخلف عنان باستراتيجية جديدة

 المتوقع الآن، وفي إطار الحشد السياسي الدولي الضاغط أن يتم تعيين وسيط “دولي – عربي” جديد خلفاً لكوفي عنان الذي تنتهي ولايته في 31 أغسطس/ آب الحالي.

الوسيط الجديد، الذي يتم التشاور بشأن هويته بين الأعضاء الدائمين مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، سيحمل استراتيجية جديدة غداة الإخفاق الكامل لخطة عنان ذات النقاط الست.

وقد لمح وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني الى مثل هذه الاستراتيجية حين صرح بالقول: “يجب ان يكون هناك تعديل واضح لهذه الخطة لان قضية النقاط الست انتهت لم ينفذ منها اي شئ.” “يجب ان يكون هناك ارادة دولية لعمل شئ اذا مجلس الامن استمر في طريقة التعطيل التي هي الان فيه بسبب اختلاف الدول الكبرى والتي هي على حساب الشعب السوري.” وانحى الشيخ حمد باللائمة في اخفاق خطة عنان على “المماطلة في الجانب السوري” وتزايد وتيرة القتل.

 * قرار الجمعية العامة الضاغط

 ويبدو أن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في أحدث تحرك دولي ضاغط لقرار يدين استخدام العنف في سوريا من قبل الحكومة ويطالب في الوقت ذاته بانتقال سلمي سياسي للسلطة قد يشكل الأرضية الأساس للاستراتيجية الجديدة التي سيكلف بها الوسيط الدولي الجديد.

يذكر ان مشروع القرار غير الملزم انتقد مجلس الأمن لفشله في اتخاذ اجراءات لوقف العنف. حيث عبر عن “الأسف لفشل مجلس الأمن في الاتفاق على إجراءات لضمان اذعان السلطات السورية لقراراته”.

وكانت الجمعية العامة تبنت القرار “وهو اعدته المملكة العربية السعودية” بموافقة 133 عضوا واعتراض 12 وامتناع 33 دولة عن التصويت.

ورغم أن موسكو وبكين صاحبتي الفيتو لمرتين عارضتا مشروع القرار الجديد باعتباره يشكل “دعما صارخا للمعارضة السورية المسلحة” بذريعة انسانية. وانه كما قال المندوب الروسي فيتالي تشوركين “خلف واجهة الخطاب الانساني ثمة دعم صارخ للمعارضة السورية المسلحة” من جانب دول “تسلح وتمول” هذه المعارضة وتقدم اليها “مرتزقة”، فانهما ستجدان مشروع القرار فرصة لهما لإنقاذ ماء الوجه لتعديل مواقفهما مادامتا ستضمنان في نهاية المطاف مشاركة “نظام بشار الحليف” في المفاوضات المقبلة بوجود بشار نفسه او عدمه.  

ورفض تشوركين فرضية ان يكون الفيتو الروسي والصيني قد ادى الى شل عمل مجلس الامن، مؤكدا ان المجلس “كان يتوصل الى تفاهم حين كان يبحث قرارات متوازنة ومتوافقا عليها سياسيا”. واضاف “ليست صدفة ان تكون هذه الدول نفسها المروج الاكبر لهذا القرار”، في اشارة ضمنية الى دول الخليج وفي مقدمها السعودية.

واعتبر ان القرار “يقلص فرص التوصل الى تسوية سياسية” يقودها السوريون انفسهم و”يفاقم المواجهة” في هذا البلد.

وكان تشوركين صرح في وقت سابق لوسائل الاعلام الروسية ان هذا القرار لا ينطوي على “معنى عملاني” وليس سوى “محاولة اضافية لممارسة ضغط سياسي ودعائي على سوريا”.

بدوره، رأى مساعد السفير الصيني وانغ مين ان “ممارسة ضغط على معسكر واحد لا يمكن ان تساعد في حل” النزاع في سوريا.

واضاف “على النقيض، هذا الامر سيعرقل التسوية السياسية للازمة وسيؤدي الى تصعيد وسيجر دولا اخرى في المنطقة” الى هذه الازمة.

وخلاصة القول، هو أن التحركات التي شهدتها دول جوار سوريا مثل تركيا والأردن وإقليم كردستان وكان قمتها جولة وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا ومحادثات وزير الخاجية التركي أحمد داود أوغلو في أقليم كردستان، ثم المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان كلها تصب في اتجاه تطويق الأمر نحو حل سياسي مع تصعيد “لهجة الحسم العسكري” من الداخل وتمتين “جهوزية” المعارضة لملء اي فراغ ينجم في المناطق التي يخليها الجيش السوري.

الحل التفاوضي للانتقال السلمي للسلطة في سوريا سيضع ضمانات باتفاق الجميع مبادئ اساسية يتعهد بها الجميع من أطراف سورية ودولية بالحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها وعدم حل الجيش السوري كماحدث في العراق، وكذلك عدم حل حزب البعث الحاكم حالياً والاعتراف بممثلين للنظام على طاولة المفاوضات، فضلا عن تأكيد حقوق الأقليات العرقية والدينية.

 

 

Leave a comment